الثلاثاء , 18 مارس 2025
أخبار عاجلة
فرنسا تتوجه لشرق أفريقيا بعد تقلص نفوذها في غربها

فرنسا تتوجه لشرق أفريقيا بعد تقلص نفوذها في غربها

عبد القادر محمد علي
6/2/2025
شهدت السنوات الأخيرة تحولا ملحوظا في السياسة الخارجية الفرنسية نحو شرق أفريقيا، وذلك بعد تراجع نفوذها التقليدي في منطقة الساحل، وهو ما يعكس استجابتها للتحديات المتزايدة في تلك المنطقة، بما في ذلك صعود حكام عسكريين جدد أعلنوا القطيعة مع المستعمر السابق منفتحين في الآن نفسه على منافسي باريس، وعلى رأسهم روسيا وتركيا.

وقد ترافق هذا التدهور لدور فرنسا في تلك المنطقة مع سعيها لتعزيز روابطها مع دول شرق أفريقيا من خلال انخراطها في العديد من الإستراتيجيات المتضمنة لجوانب سياسية واقتصادية وعسكرية، بهدف استعادة مكانتها وتعزيز وجودها في القارة الأفريقية.

وفي هذا الشأن، أشارت ورقة صادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إلى أنه حتى التسعينيات من القرن الماضي كانت منطقة غرب أفريقيا ومواردها تبدو وكأنها في متناول فرنسا، إذ كانت لا تزال قادرة بـ”500 رجل على تغيير مسار التاريخ”، حسب تعبير وزير الخارجية لويس دي غيرينغود عام 1978.

ودفع هذا الانقلاب في التوازنات التي بنتها باريس لعقود لحماية نفوذها في القارة السمراء صناع السياسة الخارجية الفرنسية إلى إعادة النظر وصياغة إستراتيجيات جديدة تحكم علاقاتهم بأفريقيا، وتعمل على تعويض خسائرها المتتالية وكبح تراجع وزنها الدولي من خلال منحها نوعا من التوازن بالالتفات إلى مناطق بعيدة عن مجالات نفوذها التقليدية (شمال وغرب أفريقيا).

تنافس جيوسياسي
ويبدو أن التوجه نحو شرق أفريقيا أصبح من ملامح التحول البارزة، إذ تتصف سواحله المطلة على المحيط الهندي -وفق المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات- بالأولوية والأهمية الإستراتيجية لباريس التي تعتبرها إحدى المناطق التي تشكل مسرحا لتوترات دولية متنامية بين بكين وواشنطن، وهو ما دفع فرنسا إلى تعزيز وجودها فيها من خلال بناء شراكات متزايدة مع دول مثل كينيا وتنزانيا.

وهكذا يتحول الشرق الأفريقي إلى نقطة تنافس جيوسياسي جديد لا تحاول فرنسا من خلال تطوير وجودها فيه مزاحمة النفوذ الصيني المتصاعد هناك فقط، بل كذلك وقف تمدد نفوذ تركيا التي تحولت إلى أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، إذ يغذي هذا التنافس تحول كل من أنقرة وبكين إلى أحد الورثة الرئيسيين لنفوذ فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي.

وفي هذا السياق، يمثل القرن الأفريقي بإطلالته على البحر الأحمر والمحيط الهندي بوابة مغرية لأي قوة راغبة في لعب أدوار محورية في العديد من الملفات الحيوية التي تتجاوز أفريقيا إلى الشرق الأوسط والتجارة الدولية، مع تصاعد أهمية هذه الممرات المائية عالميا وما يلوح في الأفق من ترتيبات أمنية دولية جديدة جنوب البحر الأحمر على خلفية استهداف الحوثيين المصالح الإسرائيلية.

وفي مؤشر على تصاعد اهتمام باريس بهذه البقعة الحيوية من شرق أفريقيا برز خلال السنوات الأخيرة جهد فرنسي حثيث لتطوير علاقاتها مع دول المنطقة -وعلى رأسها إثيوبيا- والاستفادة من نفوذها التاريخي في جيبوتي.

قواعد فرنسية
تستخدم فرنسا مظلة واسعة من الأدوات في سعيها لبناء نفوذها في شرق أفريقيا، وتبرز في هذا السياق محورية الحضور العسكري الفرنسي المتمثل في احتضان جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في الخارج، والتي يختصرها تصريح إيمانويل ماكرون بأنه من المتعذر تنفيذ إستراتيجية بلاده في منطقة المحيطين الهادي والهندي “من دون القوات الفرنسية في جيبوتي”.

وتزايدت أهمية هذه القاعدة بعد الانسحابات العسكرية المتتالية لباريس من منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وهو ما يفسر تحولها إلى نقطة انطلاق للقيام بمهام في أفريقيا وفق تصريح ماكرون في الزيارة ذاتها، والتي سبقها في يوليو/تموز 2024 اتفاق الرئيسين الفرنسي والجيبوتي على تجديد الشراكة الدفاعية بين البلدين.

وكان لافتا تصاعد العلاقات الفرنسية الإثيوبية، إذ لم تكتفِ باريس بتأييد سعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري باعتباره “مطلبا مشروعا” بحسب تعبير ماكرون، بل تعهدت فرنسا بدعم إعادة بناء البحرية الإثيوبية، وتم انتداب ضابط تعاون فرنسي للعمل مع رئيس الأركان البحرية لهذا الغرض ضمن اتفاقية تعاون دفاعي تم توقيعها عام 2019، والتي وفرت إطارا قانونيا لتبادل إرسال قوات من كل من البلدين إلى الآخر.