الجمعة , 29 مارس 2024
أخبار عاجلة

إلى أين تتجه لعبة حافة الهاوية في ملف الخلاف بين عزيز وغزواني ؟

وكالة الاتصال الاخبارية ـ لعبة حافة الهاوية الدائرة بين الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وخلفه رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني  ، والتي ترجع خلفيتها للوضعية التي وجد الرئيس الحالي فيها نفسه ، أو صُوّر له أنه  لتثبيت حكمه يتعين عليه منع زميله السابق من ممارسة أي دور في الحياة السياسية .

وبالمقابل تصور الرئيس  السابق أن خروجه من الحياة السياسية سيضعه في وضعية انكشاف أمام أعدائه السابقين والجدد ، ما أدى إلى وضعية يكون فيها الخلاص في التخلص من الطرف الآخر ، هكذا حاول رئيس الجمهورية التخلص من الرئيس السابق من خلال محاولة توريطه  في اتهامات جاءت عبر تقرير اللجنة البرلمانية التي شكلت في خضم ذلك الصراع .

بالمقابل رد الرئيس السابق جاء في محاولة لوضع اليد على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، وبعد أن فشل في ذلك حاول دخول الساحة السياسة من خلال الاندماج في حزب سياسي يسعى لأن يشكل حاضنة لاحتواء مناصريه على المستوى ، وحين حول تقرير اللجنة إلى القضاء وبدأ البحث الابتدائي في القضية لجأ الرئيس السابق لتنظيم مؤتمر صحفي لمواجهة ما يعتبره محاولة توريط ، وهو المؤتمر الذي سعت السلطة إلى منعه أو في الحد الأدنى إفشاله من خلال وضع الرئيس  السابق رهن الحراسة النظرية كاستثناء خص به من بين المشمولين  في الملف  ، حيث أوقف خمسة أيام عند الشرطة ، وحين خرج كان رد فعله التعبير أن بيديه أوراقا حين يكشفها لن تكون في صالح الرئيس الحالي ، وكان من بين تلك الأوراق تصريحه في قضية حقيقة صناديق “أكرا” التي قال إنه تحمل الاتهام فيها سنين عديدة إلا أنها تعني الرئيس الحالي وأبناء عمومته ، كما تحدث عن رجل الأعمال الذي ظهر ونما في العشرية باعتباره محسوبا على الرئيس الحالي .

استمر صراع حافة الهاوية من خلال تصيد كل طرف للآخر، فالرئيس السابق اتخذ منصات إطلاق لصالحه بينها مدونين في الداخل والخارج ، وكذلك أذرع السلطة بالإضافة للعمل القضائي الذي تشرف عليه النيابة ، وربما يكون ذلك هو ما أجل تحويل نتائج التحقيق إلي النيابة العامة .

وفي سياق معركة الشد والجذب كانت قضية محكمة العدل السامية التي تبنتها الحكومة في البداية كجهة لمحاكمة الرئيس السابق فبادرت إلى دفع النواب لاقتراح تعديل القانون المنظم لها بغية مباشرة تشكيلها ثم عدلت عن ذلك ، لتعلن توجهها للقضاء العدلي  ، فيما أصبح الرئيس السابق متمسكا بالاختصاص الحصري لمحكمة العدل السامية في محاكمته .

اليوم وبعد بدء الحديث عن قرب وصول العمل لمرحلة النيابة وما سيستبعها مباشرة من تحويل الأمر لقاضي التحقيق زادت وتيرة دفع كل طرف للآخر إلي الهاوية، ليبدأ الرئيس السابق الإطلاق من خلال منصات إطلاقه في الخارج بالحديث عن ثروة حرم رئيس الجمهورية وممتلكاته في الخارج ، وحتى استغلال حماس مدونين مناوئين للوضع القائم عموما لنشر معلومات تورط أو تدين أسرة الرئيس ومحيطه العائلي وربما تدينه شخصيا ، كالمنشورات التي تتحدث عن نفوذ أقارب الرئيس وهفوات مقربيه .

بالمقابل بدأت السلطة في استخدام منصات إطلاق وطنية بصحف توصف بأنها بعيدة من النظام وفي هذا الإطار تم تسريب محضر مثول أول أمام قاضي التحقيق محمي بقانون العقوبات ، وقانون الصحافة ، وتم نشر معلومات فيه ليست متعلقة بالتحقيق البرلماني وإنما تتعلق بملف آخر هو ملف البنك المركزي الذي اختير بعناية علي أساس أن الاتهام فيه موجه مباشرة من متهم معترف لمحيط الرئيس السابق وربما له ، على ما في ذلك من مخاطر يمثلها تعذر سل  أنصار الرئيس الحالي من الملف سل الشعرة من العجين ، لأنه في طريق تهديد الرئيس السابق به سيأتي ضباط سابقون ، ووزير الاقتصاد والمالية السابق ، ومحافظ البنك المركزي السابق والحالي  …وقد يأتي الرئيس نفسه أو أحد من محيطه .

المحضر المسرب رغم حرمة نشره ومحدودية من يفترض فيهم الاطلاع عليه ، لحصرهم في محامي المتهمة وقاضي التحقيق وكاتب الضبط ، عمليا يخدم توجيه لاتهام للرئيس السابق ومحيطه بمسائل خطيرة ، وهو ما يعني أن اللعبة أصبحت محفوفة بالمخاطر لأن لاتهام على درجة كبيرة من الخطورة والتأثير ليس على الرئيس السابق فقط بل على مستوى اقتصاد موريتانيا ومصداقيتها ، ولا يمكن أن يسلم منه أشخاص بعضهم وزراء وبعضهم في مناصب سامية ، فضلا عن أن ما أشارت له المتهمة ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد لأنه ما دام البنك المركزي قد فتح بالطريقة التي تحدثت عنها المتهمة فإن حدود الفوضى داخله من الصعب تصورها  .

ولعل هذا النشر يشير إلى أن القضايا المحالة إلى القضاء ضمن ملف لجنة التحقيق البرلمانية إذا كانت لا تطال الرئيس السابق بشكل مباشر ، أو تم توجيهها لتصفية الحساب معه ، فإن قضية البنك المركزي تبدو وطيدة الصلة بالرئيس السابق لأن المتهمة أوردت في محضر مثولها “المسرب ”  أسماء أشخاص وثيقي الصلة بالقصر الرئاسي أيام عزيز بل ومنه أتوا ، وعليه تكون التهمة هي تبييض الأموال وتزوير العملات ، وفي ذلك إخلال من الرئيس بمسؤولياته وتآمر على الوطن ما يمثل أوضح تجل للخيانة عظمى ، وهو ما يحمل تنبيها للرئيس السابق أنه إذا كان ملف التحقيق البرلماني لا يطاله بشكل مباشر ، فإن قضية البنك المركزي يجب أن تشكل مصدر قلق وخوف له .

واستمرارا لصراع حافة الهاوية جاءت  تدوينة أحد المدونين المحسوبين كحائط عرض للرئيس السابق ، مشيرة إلى بعض الهنات في البحث الابتدائي ، أخرج من خلالها بعض المشمولين في الملف ، وهو ما ردّه المدون لقرابة مع وكيل الجمهورية  غافلا عن أن الملف عمليا أرفع من الوكيل وحتى المدعي العام الذي يرأسه بل وحتى وزير العدل ، لأنه ــ حسب مراقبين ــ يدار من الدائرة الأعلى ، ولا يمكن أن يُخرَج منه إلا بترتيبات أو توجيهات عليا .

ومن المؤكد أن التحقيق مع كل من وردت أسماؤهم في الملف قد يمس شخصيات عليا لا يريد أن يطالها الملف .

لعبة حافة الهاوية هذه تحمل مخاطر بالنسبة للنظام الحالي على اعتبار أنها حين تقود لاعتقال الرئيس السابق وحده ستظهر درجة الاستهداف في الملف ، أما حين تطال التهمة كل المشمولين في التحقيق فإن ذلك يعني أن شرائح واسعة من من لديهم المال السياسي ، والنفوذ الاجتماعي قد تشكل جبهة قوية ضد النظام ، وهو ما يعني أن المسار هو مسار حافة هاوية حقا إذا واصل طرفاه التجاذب قد ينتهي بتردي أحدهما ، أو ترديهما معا من قمة المشهد .