الجمعة , 19 أبريل 2024
أخبار عاجلة
من دون حذاء..

من دون حذاء..

وكالة الاتصال – حذرتنى زوجتى مما أفعله الآن , صرخت فى أذنى بصوتها وقالت وملامحها على وشك السقوط من وجهها الطويل :

” اسمع يا يعقوب اياك أن تُطِع عقلك المريض .. اياك أن تستجيب لهلاوس علاجاتك الطبية .. اياك أن تجعل هذا الجُرم عَرضاً جانبياً لها

اسمع يا يعقوب لقد طَفح الكيل وفاض فأنتَ رجل غير رشيد لن يُغيرك الزمان .. ها نحن فى عِقد زواجنا الثالث وها أنا أحتمل خَبلك وفظاعة مُخيلتك وشذوذ هندامك -إن وُجد- فأنتَ يازوجى ولعنتى كما تعرف وأعرف ويعرف دود الأرض النَتِن لا تملك سوى جورباً من الصوف ؛ حاكته لك عمتك قبل أن تدفن رأسها فى تراب الموتى ومع كل هذا الفقر المُنَعم الذى نشهده كل ليلة لازلت تُصِر على عنادك , لازال العَته يُعَشش فى غرف فِكرك -ان كان لك فِكر- , ويمتطى أحصنة قرارتك – ان كان لك قرار- فقُل لى بالله عليك يا مَن أسميته لعنتى الأبدية متى كانت آخر مرة اتخذت فيها قرار ؟

 

ثم تلوى زوجتى وجهها كأنما وقع بصرها على كارثة طبيعية , وتُعاود وصلة سَبى ولعنى التى والله أمتصها حرفاً حرفاً دون أن أنبس بكلمةِ واحدة !

 

وكلما بدا على وجهى تَذمر بسيط من أثر قَصف كلماتها الهوجاء , تَبدلت جبهتها لأسطر مُعَدة للكتابة وأقبلت نحوى بخُطى لا تقبل العودة للوراء , وأكمَلت ما بدأته وهى تصيح مُجَلجلة :

 

اسمع يا يعقوب .. انسى تماماً هذا الأمر .. انساه أو تناساه فأنا لا أفهم كيف تخطر ببالك فكرة لقيطة كهذه .. أتسمعنى يا فِسقى .. يا أكبر مُبررات دخولى الجحيم ؟

 

وكلما أردتُ أن أُبَدل وضعية جلوسى كى أغمرها أولاً بنظرتى الحانية ثم أجذبها بلُطف من يدها اليُمنى – هذا ان لم تَنكسر ضلوعى حينها فحبيبتى الغالية تَزِن فوق المائة كيلوجراماً ومع ذلك أحبها أو أتظاهر بذلك خِشية نكران حُبها .

 

إلا انها لم تكن لتعطينى فرصة عادلة كى أُغازلها على طريقة الأحبة وأُساومها على طريقة الأزواج , فزوجتى مسمومة بالخوفِ والتقاليد والسير بجانب الحائط الآمن , ومسمومة أيضاً بعبارة “نظام الدولة ” , هى تخشى أن تتأفف فيختل نظام الدولة , تخشى أن تعطس بصوتِ البنادق فيختل نظام الدولة

تخشى أن تقول فى وجه التاجر ثقيل الظِل جارنا  ” بِم ” فيهتز نظام الدولة

تموت رُعباً من أن تُحرك صورة حفيدنا الصغير قليلاً فتتَقدم بدورها العلم الوطنى الموشوم على حائط غُرفتنا فيختل نظام الدولة !

فكيف الحال اذن لو عَلمت منى أنا شخصياً وأنا زوجها الشرعى كما هو مُوَثق فى أوراق الدولة ذاتها أننى أنوى نية جادة فى أن أكتب لحاكمنا رسالة طَلب العون .

من المؤكد أن هذا الأمر بالنسبة لها هو مَس أو جنون أو أضغاث أحلام .

 

فزوجتى لا ترى خيراً فيما أنوى فعله .

بالأمس كانت تُقَشِر البرتقالة الوحيدة المُتبقية لدينا وكالعادة اقتسمناها على طريقة توائم الحب , ولكن لم تكن مسألة اقتسامنا برتقالة واحدة هُنا بدافع التَوحد بل كان بدافع نَقص الثمرات .

 

المهم أننى لم أختر التوقيت المناسب فبينما كانت زوجتى تضع فَص البرتقالة الأول فى فَمها الواسع وقبل أن تذوبه كنت أنا قد أطلقت رصاصتى فى الهواء وحينها لم أفق إلا على نصف برتقالتها تخترق فمى على طريقة لاعبي كرة السَلة .

وظللت صامتاً , ساكناً , أهمس لنفسي فى أدب جَم

وها أنا اليوم أُعلن تمردى على فقرنا وعَوزنا وخوف زوجتى القديم , وأُصِر على كتابة رسالتى الى الحاكم

أحمل لفافة ورقى , فأنا منذ الصِغر كنت مُحباً ومولعاً بالكتابة , وكنت أنوى اصدار كُتباً وكُتباً وأستحيل ممَن يختبئون فى أوراقهم إلا أن هذا لم يحدث

فمنذ أن كنت فى الجامعة , طلب منا الأساتذة أن نكتب شِعراً فى “عميد الجامعة ” فى بَذلتة , وقميصة , ونظارتة , وانتفاخ كِرشه , وكيف يَتدلى هذا الكِرش فى دلال أقرب الى شلالات من الموسيقا إلا اننى أبيت كُلياً أن أكتب هذا الهراء , وقلت بصراحة شديدة “هذا هراء” فلم أكن أرى كِرشه من موسيقا أبداً , فالكِرش لا يمكن أن يكون إلا كِرش .

 

ومنذ ذلك التَمرد القديم أصبحتُ أتحسس أنا وزوجتى كِرشنا فى صمت دون صراحة أو ثورة أو فلسفة .

 

لكن الآن وفى تلك الأجواء العصيبة , لا يمكننى المكوث هكذا كدجاجة تبيض , سأفعل شيئاً , سأكتب للحاكم , وأطلب منه العون .

وها أنا أشرع فى كتابة خطابى وأقول :

 

” سيدى الحاكم .. كيف الحال ؟ أنا لا أعرف ماذا يقول الناس فى الخطابات المُرسَلة لحُكام بلادهم , ولا أعرف حقيقة ان كان هناك خطابات تُرسَل للحُكام أم يُرسلها الخيال ويلفظها الواقع ؟

إلا اننى أرغب فى أشكو الى سيادتكم همى .. لقد أخبرونا منذ يومين هنا فى الحى أن سيادتكم تَنون زيارتنا ورؤية أهل حينا القَذِر على الحقيقة وهذا والله سَر خاطرى وزوجتى كثيراً .. بل كثيراً جداً

وهذة الحقيقة أراحتنا , فنحن لا نريد إلا الحقيقة

ولكن جاء لنا السادة نواب المنطقة بأنه لايجوز للمرء منا التقاء سيادتكم من دون حذاء

وحين قُلت للساده الكِرام أصحاب البدل القاتمة والشوارب القططية أننى صِدقاً لا أملك حذاء منذ زمن بعيد

رمقنى بنظرة لا تَصديق واضحة

وقال فى حَنق : ماذا تقول أيها البَغل ؟

كيف لإنسان أن يعيش من دون حذاء ؟

كيف تمشى ؟ كيف تعمل ؟ كيف تركض ؟ كيف تَلتقِ الساده ؟ الساده ياغبى !

ويبدو أن الساده لا يُصَدقون مسألة الحذاء إلا انها الحقيقة بوضوح حتى أن زوجتى-وهى تخشاكم جداً- تُعايرنى دائماً بعدم امتلاكى حذاء , وتقول : طوبى لى أحببت رجلاً حافياً

وهى بالمناسبة تخشاكم جداً وترفض أن أطلب هكذا طلب من سيادتكم

لكنى أطمع أن ألتقِ حاكمنا الأعظم وأخشى هَول لقياه من دون حذاء

كتبتها : أميرة الوصيف _ مصر